تزخر البحار بثورة هائلة لم يتناولها الكتاب والباحثون إلا لماما
ولعل سر هذا الغنى يعود للجو المعتدل وأشعة الشمس الساطعة ونقاء المياه التي ساعدت في تنمية الأعشاب البحرية كالعوالق النباتية والمواد العضوية والطحالب الخضراء التي تميل إلى الزرقة والأوكسجين في الأماكن السطحيةالتي جعلت حياة الكائناتالبحرية ممكنة ومزدهرة
ولا مبالغة إذا قلناأنه يتواجد في هذا البحر نسبة 85 بالمائة في المتوسط من أصل 25 ألف طائفة من الأسماك ذات الهياكل العظيمة والغضروفية والرخوية مثل الإسفنج وغيرها التي يمكن استغلالها بطرق حديثة على أوسع نطاق ، وتشمل هذه الطوائف الكائنات الفقارية و اللافقارية والبرمائيات والثديياتوالزواحف وما إلى ذلك
وكان لا بد لنا من معرفة هذه الحيوانات والتركيز عليها لأهميتها البالغة
وقد أجمع العلماء على هذه الأحياء المائية بدأت حياتها على هذه الشواطئ العريقة بذات خلية واحدة ثم أخذت تمتص المواد الكيماوية من البحر لغاية ما أكتمل نموها مع مرور الوقت وتحولت الخلايا الطافية فوق سطح البحر إلى حيوانات ونباتات ، وأصبحت البحار كغيرها عامرة بالكائنات الحية من كل فصائل الحيوانات العضوية الرئيسة وغيرها من الأشكال البحرية البدائية
ولا يخفى أن لهذه الحيوانات الفقارية أطرافا تتحور بطرق شتى مكنتهابشكل أو بأخر من السيطرة والسيادة على البيئة دونما منازع ضد الحيوانات اللافقارية
ونظرا لكبر حجمها الذي أزداد علي مر الدهورنموا تمكنت فيه من تقليص الحيوانات الاضعف قوىوالتي تُغير عليها وتفترسها ، هكذا ظلت الفقاريات تحتفظ بقوة مكانتها من التحرك هنا وهناك وعلى
أوسع نطاق سعيا وراء الطعام من أجل البقاء ،كما أن حواسها المتطورة كانت تزودها بالمعلومات حول البيئة المحيطة بها فتمكنها من أسباب البقاء ، في حين أن جهازها العصبي يستفيد من هذه المعلومات التي ساعدتها على الحياة ، كما أن أدمغتها كانت أكبر حجما من اللافقاريات فزودتها بالقدرة على الفهم والاستيعاب
أن مياه البحار تزخربالحياة وتحتوي على كنوز دفينة لا تقدر بثمن تعيش فيها محارة الؤلؤ بين الاصداف الكثيرة ، وكذلك المرجان (الحجر الكريم أيضا ) ، في شكل شجيرات زرقاء ذات أزهار صفراء فاقعة أو ممتقعة اللون ورواسب كلسية مدلاة من سقوف المغاوير والكهوف إلى قواعدها السفلى بين الصخور الخضراء المطحلبة
وما أكثر الثروات الدفينة التي لم تكتشف بعد ؟؟
ونظرا لخلو المكتبة العربية عموما من الأبحاث المفيدة والكتب القيمة عن الأحياء المائية وحيث أننا نملك شواطئ طويلة هامة على ضفاف هذا البحر غنية بمثل هذه الثروات الطائلة المهملةماتوصلت إليه الباحثين المنقبين المتخصصين في هذا المجال الحيوي ،
تعيش الأحياء المائيةداخل أعماق هذا السائل عديم اللون والطعم والرائحة (إذا كان نقيا طبعا ) والمكون من ذرتي الأوكسجينوالأيدروجين وهو الماء الذي لا غنى عنه لكل الكائنات الحية حيث يشكل الجزء الرئيس من الجبلة (بروتوبلازم ) ، في الخلية الحية التي تعيش في وسطه على الدوام وفوق تربة تتكون من صخور مهشمة في هيئة رملية أو طينية أو صلصالية ومواد عضوية من النباتات المتحللة التي تنمو فيها النباتات المختلفة والتي تتوقف خصوبتها على بنيتهاوتركيبها الكيماوي ونظام بيئتها وما يصلها من إشعاع الشمس
ولقد أثبت المسماع المائي(أداة الإصغاء الإلكترونية للأصوات المرسلة خلال الماء ) ضجيجا متواصلا في اعماق المياه المالحة تم تكبيره وتكثيفه على شرائط مسجلة ومن ثم تأكيد أن حقيقة البحر ليس ، كما نعرفها أو نسمعها بآذاننا (المجردة ) العادية ولكن ثمة أصواتا تحت الماء يرسلها البحر على نحو استثنائي ،لا يستطيع الغطاس الذي لا يسمعها وهو يغوص تحت الماء هدير آلات السفن أو مراحل الغلايات
أن الكائنات البحرية ذات مشاعر وأحاسيس ، تحسبالألم ، وتشعر باللذة ، وتظهر المخاوف دونما سمع أو مسموعات ، فعجلة الحياة والموت هناك تدور في رتابة وصمت مطبق تلف الحيتان الضخمة والكوبيبود الصغير على السواء في دروتها المنتظمة المعتادة فالبحر وساكنوه لا يتأثرون بالالغام التي يفجرها صائدو الأسماك ولا بهدير محركات البواخر ولا التفجيرات الذرية في الإعماق
أن أعماق البحر تبدو وكأنها غابة صامتة ، لا يسمع الغطاس فيها سوى حفيف الزفرات الخفيفة الصادرة عنها ولثعات الهواء القادم إليه أو وقع حركات رفيق له ، يعمل بجانبه أو حربونه المخطىء وقد أرتطم بصخرة ما في الأعماق
وأضحى من الواضح هنا أن آذان الإنسان المنتبهة يمكن أن تسمع بين الفنية والآخرى أصداءالتزييق البعيد المدى وعلى مدى السمع ، وخاصة إذا توقف برهة عن التنفس
وإن المسماع المائي الآلييستطيع تضخيم الاصداء الغاشية الهافتة ويحولها إلى ما يشبه الطنين الذي يساعد الخبراء على تحليلها ولكنه يعجز عن ترجمتها أصواتا للأذن الغائرة الغاطسة تحت الماء
العلم لم يتوصل بعد إلى استنباط نظرية تعلل اصداء التزييق
كان الصيادون العرب القدامى يحددون الأماكن التي توجد بها الأسماك بوضع آذانهم على سطح القارب.
ويبدو أن حفيف المسافةفي البحار الهادئة كانت أقوى بعد هبوب العاصفة ، ولئن كان ذلك لا يصيب جوهر القضية ذلك أنه كلما سبر غورالبحر أكثر كان الاستنتاج أقل تأكيدا
ولوحظ في الآونة الأخيرة أن بعض الأسماك تنقّ نقيقا يشبه نقيق الضفادع ، كما شوهدفي غربي أفريقيا خلال الخمسينات من هذا القرن أسراب أسماك تصدر عنها أصوات مطردة النغم
أن حوت البال الأزرق وخنزير البحر (حوت يونس) ، والنقاق وكل ما يصدر عنها من اصداء تزييق هي شواذ واستثناءات لا يعتد بها في عالم أعماق البحر المطبق الصمت
وقد أكتشف العلم مؤخرا أسماكاذات آذان داخلية مع طبلات تشكل قلادات ، ومع ذلك لا تبدي هذه الكائنات على العموم رد فعل للضوضاءبقدر ما تلاقي استجابة إيجابية للارتجاج غير المسموع ، ولعل الخط الجانبي الذي على خاصرة السمكة ذو حساسية يشكل في واقع الأمر الحاسة السادسة ، فعندما تتماوج السمكة في الماء فإن الاستقبال الجانبي ربما يكسبها حاسة الوجود الرئيسة ، ومن المعتقد أن الخط الجانبي يكشف لها موجات الضغط منمسافات بعيدة جدا
وقد أجريت تجارب أثبتت أن الأصوات القوية لا تهيج السمكة ، ولكن موجات الضغط التي تحدثها (زعنفة القدم المطاطية الملحقة برجل الغطاس ) كان لها تأثيرها الفعال
فإذا حرك الغطاس رجله في قاع البحر برفق وفي استرخاء إعرابا عن (النوايا السليمة ) فلا تفزع منه الأسماك بل تدنو منه أحيانا ، أما إذا خَبَطَ عَشْواء أو أظهر حركات عصبية ، فلا تلبث الأسماك بما في ذلك التي تقيم بين الصخور البعيدة أن تلوذ بالفرار ، حيث أن الإنذار ينتشر في قرقعة متوالية ، ويكفي أن يكون السرب الهارب مدعاة لأن يخيف بقية الأسماك الأخرى ، أن رجفة المياه كفيلة بإعلان حالة الطوارئ والأسماك البعيدة على مرمى البصر تستقبل الإنذار الصامت وتفًر